التنظيمات السرية بالمغرب (تنظيمات اليسار)
أوراق من التاريخ السياسي المعاصر
ادريس ولد القابلة
منذ منتصف ستينات القرن الماشي لم تتوقف الأصوات الثائرة التي تصدرها قوى اليسار عن الدعوة إلى تتبنى الثورة المسلحة كحل سياسي بالمغرب. بدأ هذا المسار مع مجموعة "الاختيار الثوري"، التي تأسست استنادا على الوثيقة التي ألفها المهدي بن بركة والتي تحمل الاسم ذاته. إنها وثيقة "الاختيار الثوري" التي أطلقها خلال المؤتمر الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
وفي نهاية الستينات، بدأ عدد من المناضلين الذين ناضلوا لسنوات طويلة وسط حزبي " الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" و "التحرر والاشتراكية" بدأوا ينسحبون من هذين الحزبين ويشكلون خلايا سرية ستتبلور فيما بعد في إطار منظمات سرية ماركسية- لينينية. هكذا ستجتمع عدد من الخلايا والحلقات السرية المشكلة من مناضلين منحدرين، في أغلبهم, من حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في إطار منظمة ستعرف فيما بعد بمنظمة" 23 مارس" وستعيش في بداية تجربتها انشقاقا سيؤدي إلى تشكل منظمة "لنخدم الشعب" بينما سيؤسس، في 30 غشت 1970، مناضلون منحدرون بالأساس من "حزب التحرر والاشتراكية" منظمة ستسمى فيما بعد بمنظمة " إلى الأمام".
إذن، ستتفرع الحركة اليسارية الماركسية اللينينية الماوية عن منظمة "أ" – منظمة إلى الأمام- التي احتوت التيار الثوري المنفصل عن حزب التحرر والاشتراكية ، الحزب الشيوعي سابقا والتقدم والاشتراكية حاليا ، بحجة أنه اختار العمل تحت مظلة النظام .
إلى جانب المنظمة " أ " برزت المنظمة "ب " التي ضمت مجموعات " 23 مارس " ثم منظمة العمل، و منظمة " لنخدم الشعب " الماوية ، أكثر هاته التنظيمات الماركسية اللينينية راديكالية آنذاك .
تنظيم " لنخدم الشعب"
"لنخدم الشعب"
ستتبنى تنطيم " لنخدم الشعب " طرحا ماويا محضا ، وكان يتزعمها أحمد حرزني - رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان- وأنيس بلفريج نجل أحمد بلفريج مستشار الملك الحسن الثاني . كان تنظيم "لنخدم الشعب" يرفض العمل داخل المنظمات النقابية والمهنية والطلابية والشبيبة المدرسية، واختار ضرورة الاهتمام بالفلاحين ، كما اختارت استعمال العنف كوسيلة لتحقيق المطالب السياسية وتحقيق الأهداف الاستراتيجية عبر استعمال ما كان يوصف بــ "العنف الثوري". ومن المعلوم أنه تمّ ضبط مسدس في حوزة أحمد حرزني حين اعتقاله، إلا أن التنظيم لم تستطع الوصول إلى غايته بسبب تطويقها بسرعة وفي المهد.
أصدر هذا التنظيم نشرة باسم " صوت الكادح "، و"وكالة الأخبار الشعبية" وهي نشرة دورية تنشر الأخبار المتعلقة بالنضالات الجماهيرية.
" 23 مارس"
تأسست بداية السبعينيات من القرن العشرين (23 مارس 1970 ) . كانت تسعى إلى بعث روح انتفاضة 23 مارس 1965 لكن برؤية وأطروحات جديدة، ورغم تبنيها مناهضة النظام السياسي القائم رفضت نظرية الانفصال التي تبنتها زميلتها منظمة "إلى الأمام" بخصوص قضية الصحراء .
فيما بين سنتي 1968 و 1969 ظهرت المجموعات الأولى من الحركة الماركسية – اللينينية المغربية في الوسط الطلابي (فاس – الرباط – الدارالبيضاء) وقد انحدرت هذه المجموعات من حزب " التحرر والاشتراكية" (مجموعة فاس بقيادة الشهيد حمامة بوعبيد) الذي توفي بالمنفى في سنة 1973 ومن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، كما ساهمت في تأسيسها عناصر غير منتمية لأي حزب.
ولجت "23 مارس" دائرة الشرعية مبكرا مع تأسيس منظمة العمل الديمقراطي الشعبي (OADP) ، وهي حزب مغربي يساري صغير حصل على الشرعية القانونية بعد عودة قيادته من المنفى بفرنسا (محمد بن سعيد آيت يدر ومحمد الحبيب طالب ومحمد المريني والعربي مفضال ومصطفى مسداد وإبراهيم ياسين وعيسى الورديغي) إلى جانب ا أحمد بنعزوز ومصطفى بوعزيز سنة 1983.
"إلى الأمام"
في فجر سبعينات القرن الماضي برز تيار معارض داخل حزب التحرر والاشتراكية، التف أفراده مجلة "أنفاس قبل إنشاء إطار تنظيمي خاص بهم. في اجتماع الانسلاخ عن الحزب تم الاتفاق على تشكيل منظمة ماركسية – لينينية مستقلة، سميت بالمنظمة "أ" قبل أن تحمل اسم "إلى الأمام " منذ 1973. وشكـــلت " سقطت الأقنعة " فليفتح طريق " الثورة " الأرضية الإيديولوجية والسياسية التي تم عليها الانسحاب من حزب التحرر والاشتراكية وبناء الإطار التنظيمي الجديد.
كانت "إلى الأمام" تطمح منذ تأسيسها أن تصبح حزبا ثوريا يقود الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء نحو انجاز الثورة وإقامة الجمهورية، وهو حلم سرعان ما سقط في الماء بشكل فظيع قل نظيره في العالم.
هناك أكثر من طرف تبنى تجربة منظمة "الى الأمام"، ( النهج الديمقراطي )الذي يشكل الامتداد الخطي للمنظمة غداة تأسيسها في بداية السبعينات ، ( النهج الديمقراطي القاعدي ) (التوجه القاعدي ) ( القاعديون التقدميون ) ، وهي نفس الحلقات التي قادت الصراع غداة الإعداد للمؤتمر الوطني السادس عشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب في مواجهة الحلف الثلاثي الذي تكون من فصيل أنصار ك. د. ش ( الاتحاد الاشتراكي – المكتب السياسي )، فصيل الطلبة الديمقراطيون ( منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ) وفصيل الطلبة الوحدويون ( حزب التقدم والاشتراكية ) . لقد تكونت تلك التيارات التي كانت تتحرك باسم القاعديين من : ( النهج الديمقراطي ) ، ( الطلبة القاعديون ) ، ( الطلبة التقدميون ) ، الطلبة المجالسيون ) و ( الطلبة أنصار المجالس ) ، حيث تحالف هؤلاء مع فصيل رفاق الشهداء ، رفاق المهدي وعمر ) الذي كان محسوبا عن يسار الاتحاد الاشتراكي ( اللجنة الإدارية الوطنية ) .