وقد عملت المديرية العامة للأمن الوطني منذ اندلاع هذه فضائح الرشاوي التي هزت الراي العام الوطني على تذكير الموظفين بوجوب التحلي بالممارسات السليمة للوظيفة الأمنية، وتعزيز آليات النزاهة والتخليق بلغة الخشب و تحميل المسؤولية للرؤساء، وكان آخر ذلك بموجب مذكرتين مديريتين الأولى بتاريخ 2 ماي 2014 والثانية بتاريخ 16 يناير 2015، واللتين تضمنتا توجيهات صريحة باتخاذ التدابير الإدارية اللازمة في حق كل موظف ثبت تورطه في أفعال الفساد المالي؛ كما بادرت المديرية العامة للأمن الوطني باتخاذ العقوبات الإدارية اللازمة في حق الشرطيين الذين ظهروا في أشرطة فيديو في كل من الدار البيضاء وطانطان، بحيث تم توقيفهم مباشرة عن العمل، في انتظار نتائج التحقيق، حيث إن هذه المبادرة جاءت تلقائيا بمجرد رصد تلك الأشرطة على شبكة الأنترنت، الشيء الذي يتعارض مع مبادئ دولة الحق و القانون والمحاكمة العادلة و القوانين الجنائية التي لا تعترف بالتسجيلات الصوتية و المرئية كوسائل اثبات في ادانة المتهمين اذا ما انكروا التسجيلات المنسوبة اليهم.
ومما لاشك أن المغرب يعيش تحديات جسيمة وأن مصيبة الرشوة والفساد تقف عقبة في طريق البناء والتطور والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتجره إلى الوراء في وقت يطلب منه على وجه الإلحاح والاستعجال تهييء نفسه لأجواء المنافسة الاقتصادية العالمية الأمر الذي يتعين معه وضع محاربة الرشوة والفساد الإداري والمالي وإعلان الحرب عليها من بين الأولويات في المرحلة المقبلة مهما كانت قوة انتشار الفساد بكل أنواعه، بما فيها مصيبة الرشوة، فإن إمكانية محاربتها، تبقى ممكنة ومتاحة إلا أن ذلك يتطلب شرطا أساسيا يتمثل في التدرج وتنويع مداخل المحاربة من جهة، ووجود إرادة سياسية حقيقية تعبر عن نفسها بإجراءات عملية تكون المفتاح السحري و المدخل الرئيسي لتغيير عقليات الشرطيين المكلفين بمراقبة السير و الجولان و ضبط و تحرير المخالفات.
ونظرا لما الت اليه الاوضاع و كثرة فضائح الرشاوي المتتالية التي تورطت فيها عناصر امنية بمختلف مدن المملكة ، و لتفادي التورط في الإخلال بالضوابط المهنية وبالممارسات السليمة المقررة في مدونة أخلاقيات المهنة الشرطية ، فان اهم اجراء يمكن للمديرية العامة للأمن الوطني ان تطلبه من السيد رئيس الحكومة للقضاء بشكل كبير على الرشوة في صفوف موظفي الامن الوطني المكلفين بمراقبة السير و الجولان و تحرير المخالفات هو التعجيل بإصدار قانون يسمح لموظفي الامن الوطني المكلفين بمراقبة السير الطرقي بتقاضي تحفيزات مالية بسيطة من قيمة الغرامات المالية التي يستخلصونها من المخالفين لقانون السير و الجولان، و التي يمكنه ان يتقاضاها مباشرة من القابض بعد ايداع الودائع المالية المستخلصة من الغرامات المالية الصلحية لدى القابض و التي يمكن تحديدها مثلا في 50 درهما عن كل غرامة مالية من الدرجة الاولى( 700 درهم) و 30 درهما عن كل غرامة مالية من الدرجة الثانية( 500 درهم) و 20 درهما عن كل غرامة مالية من الدرجة الثالثة( 300 درهم ) بما فيها الغرامات المالية التي يحررها اعوان المراقبة الطرقية و تستخلص بالمحاكم و القباضات المغربية لاسترجاع رخص السياقة المسحوبة.
خـــــــــــــــــــــاتـمـة
إذا كانت مصيبة الرشوة قد أفقدت الكثير الثقة في الإدارة المغربية، وأثرت سلبا على النمو الاقتصادي للبلد وعلاقاته الاجتماعية، فإن وضع أمر محاربتها في سلم أولويات الحكومة وأخذ الاقتراحات المشار إليها بعين الاعتبار من شأنه أن يعيد الثقة في مؤسسات الدولة، و يعطي صورة جديدة للمغرب خارجيا وداخليا، ويسرع عجلات التنمية ويجلب الاستثمار ويرفع من معنويات رجال الامن المكلفين بمراقبة السير و الجولان و تحرير المخالفات و استخلاص الغرامات المالية الشيء الذي سينعكس ايجابا على تقلص نسبة حوادث السير التي انهكت انهكت الاقتصاد الوطني بخسائر مالية تصل الى ما يفوق 20 مليار درهم سنويا.
بالرغم ان المديرية العامة للأمن الوطني ستواصل تطبيق القانون في حق كل من ثبت تورطه في الإخلال بالضوابط المهنية وبالممارسات السليمة المقررة في مدونة أخلاقيات المهنة الشرطية، فان هذه الاجراءات الظرفية و الترقيعية لن تكون كافية في تحقيق الهدف الاسمى في محاربة الرشوة و تدعيم قيم الاستقامة والشرف والتخليق في صفوف منتسبي جهاز الأمن، ما لم يتم تحفيز موظفي الشرطة بتحفيزات مالية على بساطتها تقتطع من قيمة الغرامات المالية التي يستخلصونها من المخالفين على غرار التحفيزات المالية التي يتلقاها موظفو وزارة المالية وتنزل عليهم بالملايين كل ستة اشهر،وكذا الموظفون المكلفون باستخلاص الاموال العمومية لفائدة خزينة الدولة بباقي القطاعات الحكومية لتشجيعهم على تفادي تلقي الرشاوي لغض الطرف عن المتهربين و المتملصين من اداء الواجبات المالية المستحقة لفائدة خزينة الدولة و تشجيعهم على العمل الجاد و الاستقامة و الشفافية.
و الله من وراء القصد و هو يهدي السبيل